الصّادق الرضي
فضاء سوداني
إريتري:
رواية (شاهد قبر)
للسوداني محمد مسوكر، تنفتح على نوافذ لحكايات مجتمع داخلي، عبر أسرة إبراهيم التي
تتكون من والده إسماعيل وأمه أرهيت وأخويه التوأم، وعمه سليمان، وتشابكات علاقاتها
في المجتمع الكبير لمدينة القضارف- جنوب شرق السودان- المدينة التي تشكل الفضاء
السوداني- الإريتري غير بعيدة عن مدينة كسلا، حكايات المدينة بشوارعها الرئيسية
والفرعية، بطبقاتها ومجموعاتها السكانية المتنوعة، حكايات جيل اسماعيل وأرهيت
وسليمان وإيرات والأمين ود بال عاي، وجيل الأبناء إبراهيم، وسميرة، أحمد وسليم..
إلخ، وصراعهم الاجتماعي الثقافي والسياسي مع جماعة (حمد حفُون) الذين يمثلون
السلطة- الحكومة بتحالفاتهم معها. عبر صوت الرواي وتداخله مع منلوجات شخوص
الرواية، نتعرف على علاقة حب إبراهيم وسميرة وتعقيداتها، علاقة إبراهيم بعمه
سليمان وعلاقة حب سليمان القديمة لـ إيرات، ونشهد الحوار المعرفي بين ثلاثتهم؛
نتعرف على هواجس أحمد وسليم الفكرية والسياسية ورؤيتهم للثورة الإريترية،
واختياراتهم الخاصة التي أدّت لمصائرهم فيما بعد. حكايا مطرزة بطقوس خاصة في
الزواج وتفاصيله، في الرقص وتقليد شرب البُن...إلخ، وتحتشد بحوارات حول السوق
والسياسة والقضايا العامة. تجري أحداث الرواية في المدة الأخيرة من حكم الديكتاتور
جعفر نميري- استمر (16) سنة وأسقطته انتفاضة أبريل/ نيسان الشعبية سنة 1985م،
وتمتد لبعض سنوات الديمقراطية الثالثة قبل إنقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو/
حزيران سنة 1989م.
لسانٌ يتحرَّكُ مع الغبار:
هناك أحجيات
صغيرة، لها في العمق ظلال أسطورية تعبّرُ عن الذات الجمعي في توقه للقبض على
هويته، صورته الشخصية، في خضم صراع عاصف له جذوره التاريخية والحضارية، نلمس هذه
النزعة في منلوج شخصية (ود بال عاي) مثلاً وهو يعرّف بنفسه: "اسمي موروث من
جدٍّ بعيد، من زمن الغبار، زمن الغبار كان قبل أن تنشق البحار، كانت الدنيا يابسة،
الإعصار يبدأ من الهند ويصل شرق إفريقيا دون عناء، بعض لسان أهلنا التقري كان في
الصحراء يتحرك مع الغبار بقى هناك حين ظهر البحر الأحمر وأصبح لسانا عربياً،
الآشوريون قالوا أننا أبنا عمومتهم من أولاد نوح". نلمس تلك النزعة أيضا في
قصة فتاة الجبل مع سميرة، الفتاة تشاهد جبل توتيل يأتي ليلا من مدينة
كسلا إلى مدينة القضارف، يقف موازيا لجبل الخزَّان ويتحدث معها، يغادرها قبل بزوغ
الفجر ويتكرر معها هذا الأمر لفترة ليست بالقصيرة؛ ولجبل توتيل هنا دلالته الخاصة،
انه يكلّم الفتاة ويحمّلها رسالة: "استيقظتُ على تهدُّج صوت جبل توتيل وهو
يقف موازيا لتلِّ الخزَّان، يعاتبني ويلحُّ علىَّ أن أسمعه"، لكن الرسولة
تجذع: " رجوته كثيراً أن يبحث عن غيري، أنا ضعيفة لا أقوى على
تكليفه"، سميرة حين تسأل الفتاة عن اسمها، تقول لها: " أنا شفتك مع
الجبل" وتبقى الفتاة بلا اسم حتى نهاية الرواية.
لغة الطير:
اللغة، ليست اللغة
التي كُتِبَ بها النص أو لغة الحوار داخله، إنما اللغة نفسها في بعدها المفاهيمي
الذي شكلت به حضورها في النص بوصفها عنصرا من عناصر الصراع داخله، بل ربما هي من
أبرز أسلحة هذا الصراع، في بعديه الداخلي والخارجي، يتمثل البعد الداخلي في صراع الأجيال داخل المجموعة ذاتها؛ الجيل
الذي يتقن اللغة- الأم ويتمسّك بها تأكيداً للهوية ورمزاً للأصالة، والأجيال
الجديدة التي لا تعرف عنها إلا طيوفاُ بعيدة، وبعض أكليشهات:
-
" ابنك إبراهيم
فارس وأصيل لكن لماذا لا يتحدث لغتنا؟!".
-
"- إنه ابن مدارس لا يعلم شيئا".
البعد الخارجي يتمثّل في صراع المجموعة مع المجموعة السكانية- الثقافية
الأخرى، تمثلها في هذا النص (جماعة حمد حفُون) التي لا تملك لغةً خاصة بها، ومع
ذلك تطلق على لغة الآخر الخاصة وصف (رطانة)- "الرطانة هي الهزر غير المفهوم
ويقال إنها لغة الطير، (حمد حفون) بلسان التقري معناها الانفعالى أو
العاطفي وحمد اسم شائع وسط المهاجرين من النيل لبلاد البجا."؛ هذه الرواية
تضج بأسماء الأماكن في بلاد البجا (السودإرتيرية) في اللغة- الأم هنا وهناك
وتبرزها- مسألة اللغة- الأم، من ضمن ما تبر من مسائل وقضايا وهي رواية لا تكف
شخوصها عن طرح الأسئلة والجدل على كافة المستويات المعرفية رغم بساطة تكوين بعض
هذه الشخوص وعادية المواقف والأحداث التي خلقتها في نسيج القصة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق