الصادق الرضي
فيكتور لوقالا، عبدالقادر محمد إبراهيم، جونثان ميان،
ستيلا قايتانو، نجلاء التوم، تعبان لو ليونق، الصادق الرضي
مدخل
سألني ديفيد مدير المجلس الثقافي البريطاني بالخرطوم، في أول إجتماع بيني وبينه إثر عودتي من المملكة المتحدة مشاركا في جولة شعراء العالم التي نظمها مركز ترجمة الشعر، عن ما خرجت به من فائدة جراء هذه المشاركة، فقلت له إن أهم ما خرجت به هو الدور الفاعل والحيوي الذي يمكن أن تنهض به فعالية الترجمة الأدبية- الشعرية على الأخص، خدمة للأدب السوداني، وذلك على مستويين: المستوى الأول يتمثل في التجسير بين الأدب السوداني المكتوب باللغة العربية وبين الأدب السوداني المكتوب باللغة الإنجليزية، أكثر من ذلك يمكن التجسير بين الأدب السوداني المكتوب بلغات سودانية من خلال ترجمته منها إلى اللغتين (العربية والإنجليزية) ومن ثم ترجمة الأدب السوداني المكتوب باللغتين إلى اللغات السودانية.
وجدت هذه الفكرة إهتماما لدى ديفيد، وسألني إن كان بمقدوري العودة إلى المملكة المتحدة مرة أخرى في مارس2006م لطرح الفكرة بصورة أكثر تركيزا ضمن فعاليات مؤتمر الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية ومن اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية المقام على هامش معرض لندن الدولي للكتاب؛ فكانت زيارتي الثانية للملكة المتحدة، التي شاركت خلالها في ورشة عمل لترجمة أحد أعمالي الشعرية نظمها مركز ترجمة الشعر، بجانب قراءة شعرية بدعوة من الـ (كوفي بوتري).
مقاربة الترجمة : في اللغة والابداع والحوار – التواصل
ان تجد نصك مكتوبا في لغة أخرى يعني مواجهة عدة أسئلة تتعلق بما ستحاول أن تبحث عنه حين تقرأ ( نصك في لغة اخرى ) ؛ متفقدا المعاني ، الرؤيا،الموسيقى ..الخ ، وهذا بطبيعة الحال يقتضي المام عميق بمكنونات الـ لغة الأخرى الثقافية ، فيما يتعلق باعتبارها للشعر ، وهذا مهم ، لأن هناك (فروقات صغيرة) لا يمكن تجاهلها ، في واقع النص ، بين لغتين ، هي في الاصل ( فروقات كبيرة) بين ثقافتين ، ففي الوقت الذي ، على سبيل الاستطراد ، تجد أن الشعر (يعتبر ) ديوان العرب ، أي الفن الاول في الثقافة العربية بوجه عام ، فإن الشعر لا يتمتع بالضرورة بـ ذات الاعتبار ، في الثقافة الانجليزية ؛ وبالتالي ، هناك تقاليد معينة في الكتابة الشعرية هنا ، ربما يصبح الارتكاز عليها في قراءة ذات النص هناك امرا غير موضوعي.
اللغة: هذا ما واجهته لأول مرَّة ، حين ترجمت بعض أعمالي من خلال ورش العمل التي تصدى لها مركز ترجمة الشعر بمدرسة الدراسات الشرقية والافريقية جامعة لندن وقد كان ضروريا بالنسبة لي أن ادخل في مناقشات طويلة وتفصيلية مع من ترجموا لي حين شاركت في جولة الشعراء ببريطانيا في اكتوبر 2005م أضاءت كثير من الجوانب الجديرة بالتأمل .
تكشفت لي من خلال تأمل الأمر عدة مسائل فيما يتعلق بـ اللغة باعتبارها عنصرا جوهريا في الابداع والترجمة خصوصا فيما يتعلق بـ الثقافة العربية في السودان ، وبالتالي اللغة العربية والابداع المكتوب بها في( السودان ) الذي يتمتع باشتباك حضاري تاريخي ويزخر بعدد من الثقافات واللغات المختلفة والمتباينة.
الابداع: فيما يتعلق بـ الابداع الشعري مترجما فإننا بصدد مقاربة ( القراءة _ الكتابة ) ؛ فهناك خبرات يمكن التوفر عليها من خلال قراءة الابداع الشعري مترجما إضافة للخبرات المتوفرة من خلال كتابة الشعر ، في القراءة نقارب تحول الشاعر بدوره لقارئ فور فراغه من الكتابة ، متورطا في لعبة الاحتمالات المتعددة لكينونة النص وتحققاته – في الكتابة نقارب صراع الشاعر مع اللغة في بحثه عن امكانيات انتاج عالمه الشعري ، ويستعين في ذلك بخبرات معقّدة من واقع حياته الفعلية ، داخل حياة اللغة التي يعيش فيها و يكتب بها ومن خلالها ، فهو يصهر معطيات مختلفة العناصر ومتناقضة عن بعضها بعضا ، في احايين كثيرة ؛ يصعب عليه تصوّر حياتها في لغة أخرى .
الحوار – التواصل: الترجمة بوصفها ممارسة ثقافية تتيح امكانات الحوار والتلاقح بين اكثر من محيط ثقافي – لغوي ولهذا الحوار اثره الايجابي في إزالة الحواجز الوهمية التي ربما لعبت عوامل سياسية واقتصادية كثيرة ومعقدة دورا بارزا في أن تمييز بين الانسان، واخيه الانسان في بيئة ثقافية ولغوية أخرى.
أعلاه تلخيص مختصر لمساهمتي في أعمال (المؤتمر)، ضمن حلقة نقاش أدارتها الشاعرة البريطانية من أصل إيرلندي (سارة ماغواير)، لكن أهم ماطرحته في تلك المساهمة كان مشروع الترجمة- سودانية، سودانية- من العربية للإنجليزية ومن الإنجليزية للعربية، وهو المشروع الذي وجد دعما من مدير المجلس البريطاني بالخرطوم ديفيد الذي كان حاضرا هناك، وشارك بفعالية في مائدة الحوار الختامية بجانب الدعم الذي شكله الشاعر والمترجم سيد أحمد بلال، والشاعر والمترجم حافظ خير.
ملتقى (جبل البركل): خطوة أولى
إجتماعات عديدة ومناقشات كثيرة، جمعت بيني وبين ديفيد وآخرين، في الخرطوم، بخصوص مشروع الترجمة الادبية (سودانية، سودانية) وبدا ممكنا ومتاحا إنجاز خطوة أولى ربما تفتح مجالا أكثر رحابة نحو إنتاج أفكار متعددة من واقع تجارب كتاب ومبدعين سودانيين في اللغتين الإنجليزية والعربية، من خلال ملتقى للتعارف والتعريف بالتجارب الإبداعية السودانية في اللغتين، ومناقشة آفاق التجسير بين الأدب السوداني المكتوب باللغتين، ..إلخ؛ المجلس الثقافي البريطاني بالخرطوم ممثلا في شخص مديره كان مهموما بمسألة التمويل اللازم لإنجاز الخطوة وبكل التفاصيل وقد أنجز عمل كبير في هذا الإتجاه لينجز الأمر بالصورة التي تحقق بها، إستغرق التخطيط وترشيح أسماء المشاركين والإتصال بهم ..إلخ، وقتا طويلا، وجرى إختيار (النزل النوبي بجبل البركل) بإعتباراته التاريخية والحضارية، مكانا للملتقى الذي جرت فعالياته في الفترة ما بين السبت3 فبراير و الأربعاء 7 فبراير2007م، بمشاركة كل من الشاعر والروائي تعبان لو ليونق، وكاتب هذه السطور، القاص والكاتب الصحافي جونسان ميان، القاص والمترجم عبدالقادر محمد إبراهيم، الشاعرة نجلاء عثمان التوم، الشاعر والقاص فيكتور لوقالا، القاصة ستيلا قايتانو.
مدير المجلس الثقافي البريطاني رحب بالمشاركين في كلمته الإفتتاحية للبرنامج في أول جلسة مسائية، وأوضح أنهم في المجلس البريطاني يطمحون من خلال هذا الملتقى إلى أن يتعرف الكتاب السودانيين في اللغتين إلى بعضهم بعضا، وأن تبادلوا التعريف بتجاربهم الإبداعية والحوار حول قضاياهم في التواصل ومن ثم تأسيس أرضية عملية لإنطلاق مشاريع مستقبلية جديدة، وتحدث عن فكرة الملتقى وكيف نشأت، وأشار إلى اللقاء الأول الذي جمع بين كاتب هذه السطور والشاعر والروائي تعبان لو ليونق بمنزله في الخرطوم في العام 2005م، وكان المجلس بصدد الإسهام في رحلة الأول للمشاركة في جولة شعرية بالمملكة المتحدة والثاني في رحلة أدبية إلى يوغندا، وأشار إلى اللقاء الثاني الذي جمعهما أيضا والأفكار والمناقشات التي تمت، ثم أشار إلى مشاركتي بمؤتمر (الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، ومن الإنجليزية إلى العربية- المشار إليه في صدر المقال)؛ المشاركون في الملتقى طرحوا عليه العديد من الأسئلة والمداخلات والأفكار حول الملتقى ما يريده المجلس الثقافي من خلال تصديه لتنظيمه، وقال ديفيد أن المجلس فقط يريد الإسهام في منحهم هذه الفرصة للقاء والحوار من منطلق دوره في دعم المبادرات الثقافية والأدبية في السودان.
المحور الأول للبرنامج كان عبارة عن (شهادات حول التجربة)، حيث قدم كل كاتب شهادة حول تجربته الإبداعية، أعقب تقديم الشهادات تداخل وحوار.
في المحور الثاني قدم تعبان لو ليونق وكاتب هذه السطور مقدمة قصيرة عن الوضع الراهن للاعمال الأدبية في السودان، ثم جرت مناقشة مفتوحة عن وسائل النشر المتاحة للكتاب السودانيين والوسائل المطلوبة لتعزيز تشر وتداول الكتاب السوداني.
المحور الثالث افرد لمناقشة دور الترجمة الإبداعية في التقارب والتواصل الثقافي بالسودان والعالم.
تضمن البرنامج أيضا زيارات للمعالم الأثرية بجبل البركل، كما شهدت أمسيات الملتقى قراءات شعرية ونثرية باللغتين العربية والإنجليزية، أيضا كانت هناك قراءات لنصوص مترجمة من قبل الكتاب المشاركين
خلص المشاركون إلى مقترحات عديدة حول ما تم تداوله بالنقاش وتقدموا بتوصيات حول استمرار الفعالية مستقبلا بمشاركة عدد أكبر من الكتاب والمبدعين.
التوصيات التي خرج بها الملتقى من خلال فعالياته تضمنت الكثير مما سيفصح عن نفسه في مقبل الأيام، لكن ربما كان من المهم الإشارة إلى أن بعض هذه التوصيات وجدت طريقها إلى الشروع في التنفيذ: تأسيس قسم خاص للأدب السوداني بمكتبة المجلس الثقافي البريطاني بالخرطوم- باللغتين، طرح مسابقة أدبية في (الشعر- القصة، باللغتين)- أعلن عنها في يونيو الماضي، وهناك الكثير الذي ربما يعلن عنه قريبا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق