الأحد، 17 أبريل 2011

الشاعر محمَّد المهدي المجذوب: قراءة حوار ـ وثيقة

الشاعر الرمز محمد المهدي المجذوب
مدخل:
ربما كان من المخجل، أن لا نتوفَّر حتى الآن على ببلوغرافيا خاصة بشاعرنا العظيم محمَّد المهدي المجذوب الذي يصادف الخامس من هذا الشهر ذكرى رحيله الثالثة والعشرين، فما الذي يمكن أن يتوافر في حدِّه الأدنى لمن يريد أن يلمَّ بإنتاج أحد كبار شعرائنا الإبداعي الموثق على الأقل من الأجيال الجديدة، أو لمن يريد أن يعرف عن سيرتنا الشعرية الحديثة، أو لمن يريد أن يكتب عنه من النقَّاد والدارسين؟!.
وقد أشرنا ـ في مقال لنا سبق نشره قبل أكثر من عام ـ إلى أهمية توافر ببلوغرافيا تعين على دراسة تجربة مَن هو بقامة المجذوب، وحاولنا ـ آنذاك ـ رصد ما هو موثق شعرياً في الجزء الأخير من المقال؛ يطمح هذا المقال ـ الذي بين يديك ـ إلى قراءة جانب من إنتاج محمد المهدي المجذوب، خارج متنه الشعري، ونحن نعرف أن شاعرنا كان كاتباً نثرياً مقتدراً وصاحب إنتاج موثق في هذا السياق.
ببلوغرافيا ـ حلم:
عُرف المجذوب بكتاباته الصحفية بإمضاء (شعبي) في وقت من الأوقات، إلى جانب كتابته عدداً مقدراً من المقدمات لعدة دواويين شعرية، نذكر منها ديوان (ألحان وأشجان) للشاعر محمد محمد علي، وديوان (الناصريات) للناصر قريب الله على سبيل المثال، أيضا تُعتبر كتابته مقدمات بعض دوايينه الخاصة جزءاً من هذا الإرث الإبداعي، وقد درج المجذوب على كتابتها في وقت من الأوقات، (الأمر الذي لم يَرُق لـ د.عبدالله علي إبراهيم ـ عبَّر عن ذلك في مقاله «المجذوب نعمة فينا» المنشور في كتابه «أُنس الكتب»)، كما نشرت الصحافة السودانية قبل عدة سنوات عدداً من الرسائل التي جرت بينه وعدد من أصدقائه المبدعين والمثقفين، بالإضافة إلى كتاب علي أبو سن الذي تضمن بجزئيه رسائل بينه وشاعرنا العظيم، وهناك بالتأكيد ما لا علم لنا به من إنتاج ثر في باب من الكتابة له خطره في التأريخ لشاعر كبير عاصر أكثر من جيل ولعدة أجيال شعرية؛ أيضاً جرى حديث كثير تناقلته الصحف في نهايات القرن المنصرم عن رسائل مفقودة كان يكتبها للأديبة العراقية ديزي الأمير كشفت عنها الأخيرة في مقال نشرته مجلة «الناقد»، وأوضحت فيه ملابساتها وملابسات تسليمها الرسائل للناقد المعروف رجاء النقاش بغرض تحريرها لتصدر في كتاب، ولكن ذلك لم يحدث كما هو معروف، وربما هناك رسائل أخرى أيضا لم يُكشف عنها حتى الآن لدى آخرين، بالإضافة إلى الحوارات التي تعتبر جانباً من إنتاج الشاعر النثري، والحوار يُعتدُّ به كوثيقة تاريخية تتضمن أفكاراً ورؤى وخبرات مبدع بخطر المجذوب، وبالطبع لا يمكننا الإحاطة بما هو موثق من حوارات أجريت معه في حياته العامرة بالوسائط الإعلامية المختلفة من صحف ومجلات مختصة ثقافياً وغير مختصة أو حوارات إذاعية وتلفزيونية، وإن كنَّا ننادي بضرورة توفير معلومات عن كل ذلك بصورة دقيقة كأحد عناصر الـ ببلوغرافيا ـ الحلم.
حوار مجلة الثقافة السودانية:
نُشر الحوار بمجلة الثقافة السودانية التي كانت تصدر عن مصلحة الثقافة بالعدد الأول نوفمبر 1976م، واستغرق المساحة بين الصفحات ( 108-130)، أجراه الشاعر الراحل عبدالرحيم أبوذكرى، وقد كان محقاً حين عنونه بـ«وثيقة حوار مع الشاعر محمد المهدي المجذوب»، وقد نبع اهتمامنا به من كونه وثيقة جمعت بين شاعرين مهمين من جيلين مختلفين في تاريخنا الشعري الحديث، وقد وجد «الحوار ـ الوثيقة» اهتماماً سابقاً لاهتمامنا تفاوتت فيه مستويات الاستجابة في التلقي وتفاوتت فيه أيضاً وسائل التعبير عن هذا الاهتمام، حيث يمكننا رصد عدد من حالات الاهتمام التي عبرت عن نفسها من خلال إعادة نشره كاملاً أو مجتزءاً في عدة مناسبات بملاحق الصحف السيارة الثقافية، وتجد كذلك عدداً من المقالات التي تناولت تجربة المجذوب من زوايا مختلفة وقد أفاد كُتَّابها من الحوار بصورة مباشرة.
الملاحظ أن الحوار لم يكن صحافياً بقدر ما كان توثيقياً بما تضمَّن من توثيق لمراحل مختلفة من سيرة الشاعر، بقدر ما كان نقدياً بما تضمن كذلك من إشارات وملاحظات وأسئلة نقدية تعثر عليها في ثنايا أسئلة المُحاوِر وإجابات المُحاوَر وبما تضمَّن من آراء الأخير في كثير من القضايا والمسائل الفنية الدقيقة في كتابة الشعر كشهادات من شاعر كبير صاحب تجربة متميزة، ومن المفارقات العجيبة أن كثيراً من الآراء التي طرحها المجذوب، في ذلك الزمن تصلح لأن تطرح الآن دون أن تفقد قوتها وفاعليتها، وعليه تجد أيضاً للمفارقة الكثير من الأسئلة والشواغل التي كانت تشغل الشاعرين هي ذات الأسئلة والشواغل التي يهجس بها الشعراء والكتَّاب اليوم كأنما الزمن لم يتحرك قيد أنملة بين ما كان وبين ما هو كائن.. فتأمل!.
يوثق الشاعر لجوانب من سيرته الذاتية في ثنايا الحوار، ويتعرض المجذوب في إجابته على أحد أسئلة أبوذكرى لضرورة النقد ولضرورة تفرغ النقاد ولضرورة أن يكون هناك منبر مكتوب مختص منوِّهاً بشدَّة بضرورة التفرغ والاختصاص لهيئة تحرير لازمة لمجلة أدبية ناجحة حين يقول: «كيف يصل الفن الجيد إلى الناس، هذا سؤال مهم. لا بد أولاً من نقد حاسم تعرف به الجيد، وليست هناك صحيفة مختصة لعرض الشعر المنثور وغيره، مع اعترافي بمجهود أفراد من النقاد الشبان ظهروا مؤخراً، ولكنهم غير متفرغين، ونقد الأدب السوداني عملية ضخمة لا بد لها من مجموعة مختصة «...» لقد تطور الشعر في السودان إلى درجة عظيمة، وأعيد القول إن الشاعر المبدع قد انفصل إلا من عدد قليل من القراء لهم مثل استعداده وثقافته، وفي الجانب الآخر رسَّخت الجرائد اليومية مستوى من القراءة ثبت عليه الناس «...» إن المجلة الادبية يدركها الإعياء فتسقط، والسبب في تقديري هو أن لها محرر يستكتب الناس، وهذا أسلوب قديم، فإذا أردنا مجلة ناجحة لا تتوقف فلابدَّ لها من هيئة تحرير متعددة الاختصاصات تلزمها وليس لها عمل سواه».
وبالطبع ما يلفت نظرنا في كلِّ ما سلف، ليس هو موقف المجذوب ووعيه الواضح والدقيق بما تعرض له من قضايا؛ فهو أمر غير مستغرب من شاعر بمستوى نضجه، لكن ما يلفت النظر حقَّاً أن المسائل التي تعرض لها لا تزال مطروحة على الساحة الثقافية بصورة عامة والشعرية على وجه الخصوص؛ لا يزال السؤال مطروحاً حول النقد وغياب فعاليته، ولا يزال سؤال غياب المنبر المختص المكتوب مطروحاً، فإلى ماذا يؤدي بنا هذا الواقع، هل قدر الأجيال الشعرية الكاتبة عندنا أن تدور في حلقة مفرغة من الـ لاتأسيس المكرَّر ثقافياً كأنما تُسْتَنْسَخ من خيبات منطق التكرار الـ مؤسّس سياسياً؟!.
يضج الحوار بالكثير من الأمثلة من قبيل هذه النموذج الذي سقناه دليلاً على ثراء الحوار في هذا السياق، أيضاً قدَّم المجذوب في ثنايا الحوار أكثر من «شهادة» حول جوانب دقيقة في جسم الإبداع الشعري والهجس به ربما تسنح فرصة أخرى لتناولها بالتفصيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق