الأربعاء، 6 أبريل 2011

النور عثمان أبكر: ليلة صيفية نادرة في فناء ع. عبدالحفيظ

الصادق الرضي
الشاعر الراحل النور عثمان أبكر

لقاء وحيد جمعني بالراحل النور عثمان أبكر، كان يمضي إجازته السنوية في الخرطوم في العام 1996م، طلب أن يلتقي بي صحبة صديقي عاطف خيري، صديقنا التشكيلي عصام عبدالحفيظ دبر اللقاء في بيته الكريم في الخرطوم بحري، قرأت له صحو الكلمات المنسية في طبعته الأولى التي صدرت عن دار النشر جامعة الخرطوم في مطالع سبعينيات القرن المنصرم، وبالطبع قرأت غناء للعشب والزهرة، وكنت قرأت شعرا في حضرته بإتحاد الكتاب السودانيين، حين حضر زائرا أيضا في العام 1988م، إثر غياب طويل عن البلاد، نظم له إتحاد الكتاب السودانيين أمسية بداره في المقرن، قرأ شعرا وناقشه الحضور من مختلف الأجيال حول تجربته الشعرية، قدمتني المنصة لأقدم قراءة شعرية نحو أن يستمع الشاعر الكبير لصوت جديد، حين فتح صديقنا عصام عبدالحفيظ باب داره رحب بنا ضاحكا صاحب صحو الكلمات المنسية واحتضننا معا قبل أن نجلس إليه عرفنا على صديقه الشاعر الذي عرفنا من عصام أن النور يمضي طيلة أيامه في الخرطوم صحبته، ولم نكن نعرف أن أصابعه هي التي خطت أغنية شرحبيل أحمد الشهيرة والمحبوبة (قلبي دقَّ)، كانت أمسية صيفية نادرة في فناء بيت عبدالحفيظ، طفنا فيها أنسا بدوائر شتى، لكن أهم ما دار على ما أذكر هو أن صديقي خيري سأله سؤال واحد، عن الراحل العزيز مصطفى سيد أحمد، وكان مصطفى قد رحل توا في الدوحة، التي يعيش ويعمل فيها النور، أنا سألته سؤالا واحدا أيضا عن محمد المهدي المجذوب على خلفية معرفتي بصداقة شخصية جمعته مع الشاعر الكبير ، بأريحية حكى النور عن محمد المهدي المجذوب، وحكى عن مصطفى سيد أحمد، لم يكمل حكاياته عن الأول ولم يكملها عن الثاني أيضا، حيث نفد من بين أيدينا الوقت، ذاك كان اللقاء الشخصي الأول والأخير.
ليس أمرا غريبا أن لا تعثر على نقد جدي حول تجربة الشاعر النور عثمان أبكر، وهو من أعمدة جيله الشعري إبداعا وتنظيرا، فالمشهد الإبداعي عندنا ظل يشكو لطوب الأرض من غياب هذه الفعالية الحيوية، مما كرَّس صمت المبدعين في أوقات قياسية وضمور إنتاجهم وغيابهم عن الساحة، وذلك حصل مع كثيرين من مبدعينا إن لم نقل جلهم، فليس ما ينشر بالصحف من تنويهات أو من مقالات حتى مما يمكن أن نسميه نقدا ودرسا في مستواه الأنضج والأعمق. ظل شعر النور مغلقا على قرائه ومستويات تذوقهم المختلفة بطبيعة الحال، وساد فهم دارج حول صعوبة شعره وغموضه- هكذا!
مرَّ وقت طويل- زهاء عشرين عاما- بين صدور ديوانه الثاني، غناء للعشب والوردة، وبين صدور الطبعة الثانية من كتابه الأول صحو الكلمات المنسية، صدور الطبعة الثانية من ديوانه الأول أعاد صوته إلى الساحة مجددا ليتعرف عليه أكثر من جيل جديد- أكثر من ذلك أصدر النور عثمان أبكر أعمالا جديدة (أتعلم وجهك) و (النهر ليس كالسحب) بالإضافة إلى صدور الطبعة الثانية من كتابه الثاني (غناء للعشب والزهرة) في الأثناء، كما صدر له كتاب عن دار فور، عرفنا من خلال مقدمة الشاعر عالم عباس محمد نور أن أبكر أنفق نحو عقدين من الزمان على ترجمته من الألمانية للعربية.
الناشر الشيخ عووضة صاحب الشركة العالمية للطباعة والنشر يزور السودان سنويا من مقر عمله وإقامته في القاهرة، نزوره بدورنا حين يحضر لنعرف ما حصل مع مخطوطاتنا أو مخطوطات أصدقائنا التي نحرص أن نزوده منها في كل زيارة، ويحضر لنا كتبا من بعض ما نشره مجددا لنا ولبعض أصدقائنا ممن يقيم خارج البلاد، كان يحدثني بسعادة غامرة- للمفارقة- عن حصوله على مخطوطات من أستاذنا النور تعاقد معه على نشرها ولم يفصح عن عناوينها ولم ألح في السؤال وقتها، كان ذلك قبل أسابيع قليلة تناهى إلى سمعنا تدهور أحواله الصحية ومن ثم فجعنا جميعا برحيله المر، شاعرا رمزا ومنظرا فطنا ومترجما فذا وإنسانا برحابة الأفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق