الاثنين، 18 أبريل 2011

الشاعر منبريا

حديقة إتحاد الكتاب السودانيين في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم، اكتظت بجمهور الشعر، على شرف زيارة الشاعر العراقي المعروف مظفر النوَّاب للخرطوم بدعوة من إتحاد الكتاب السودانيين، مظفر النواب صاحب وتريات ليلية كان معروفا لجمهور الشعر من خلال أشرطة الكاسيت التي تناقلتها الأيدي طويلا وحفظها بعضهم عن ظهر قلب؛ في تلك الأمسية التي لا تنسى، تقطَّر مظفر النواب أداءا شعريا حلَّق بالحاضرين في سموات من المتعة نادرة، ومظفر من الشعراء الذين لا يقل مستوى أدائهم الشعري على المنابر عن مستوى أدائهم على الورق، تميز كذلك الشاعر محمد الفيتوري والراحل محي الدين فارس، كما تميز محمود درويش وقبله نزار قباني- على مستوى الكتابة الفصحى؛ وعلى مستوى الـ (العاميات) اشتهر عندنا محمد الحسن سالم حميد ومحمد طه القدال، ومن قبل اشتهر عندنا الراحل اسماعيل حسن، كلا بأسلوب متفرد ينسجم مع طبيعة شعره، كذلك اشتهر عبدالرحمن الأبنودي ..إلخ؛ وتلك مسألة- مسألة الأداء المنبري للشعر- لم يقتصر النقاش والجدل حولها على ساحات الشعر المكتوب باللغة العربية، بمختلف مستوياتها، وحدها، إنما عرفته كل ساحات الشعر المكتوب في لغات أوربا وغيرها من لغات العالم.
بينما يرى بعض نقاد الشعر أن متغيرات العصر تقدِّم أداء الشاعر كتابة وتمنحه الأولوية في النظر والتقدير، على حساب النظر إلى مقدراته في الأداء المنبري، يرى بعض آخر منهم- النقاد، أن أداء الشاعر على المنبر يضيف للنص المجوَّد كتابة، إن تمكَّن من تجويد فنيات الأداء أمام الجمهور، ذلك أن من يتحفظون على اختبار الشاعر منبريا إنما يتحفظون على طبقة من الشعراء جوَّدت فنيات الأداء منبريا دون أن تحقق إنجازا حقيقا بوصفه إبداعا على الورق، يحتجون بأن المنبريون- من خلال إكليشيهات شعرية جاهزة- يقدمون للجمهور فقاعات زائفة تستجدي تصفيق الجمهور بلا اصالة، وذلك صحيح، في وجه من الوجوه، لكن هل يستحق الأداء الحي للشاعر أمام الجمهور مباشرة كل سوء الصيت هذا الذي مني به مؤخرا - على وجه الخصوص بين أجيال الكتابة الشعرية الجديدة؟!
الواقع أن مستويات جودة الأعمال المطروحة شعريا تتفاوت، على مرِّ الحقب والأجيال- على مختلف اللغات والثقافات، بتفاوت مستوى المقدرات الذاتية والتحصيل للمبدعين، بداهة؛ ويظل للأداء الحي أمام الجمهور بوصفه أحد أدوات المبدع للتواصل مع جمهوره أو شريحة من الجمهور جماليا ومعرفيا، خصوصيته وسحره، ونفاذه لمن يتملك أدواته ويصقلها، وليس يغنيه ذلك عن تجويد الكتابة بفنياتها وأشراط جودتها التي بغيرها لا يكون من إبداع ولا يحزنون.
أيضا يبقى الباب مفتوحا للنقاش والجدل حول القضية، وتدويرها من مختلف المداخل، في ذلك ما يضيف ويثري، خاصة إذا بادر الشعراء بكتابة شهادات وإفادات حولها من واقع تجاربهم منبريا- إقبالا وإحجاما، على يقين بأننا سنحصل على مادة نادرة، إضافة إلى دخول أصوات جديدة لساحة النقاش والجدل بدل أن يترك الأمر برمته لسادتنا النقاد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق