السبت، 7 ديسمبر 2013

ميلاد جديد

الصادق الرضي

(في الحضيضِ مَمَالِكُ
أُبّهةٌ شاخصةٌ منذُ شَظَايا
رسائلُ تُفَضُّ بالحِرَاب
عصافيرُ مصفَّدةٌ
لسُوءِ حُسْنِ الطُّيور
أجنحةٌ عَذْبةٌ في الحَضِيض
أَقْعَدَتْهَا القَوارِيرُ لا العِطْر
أَقْعَدَتْها مَقَادِيرُ كالعِطْر
كُلُّهم في عَجَلةٍ من حُزْنِهِم
اسْتَطْرَدُوا في ظلامٍ وخَمِيرَة).
تُرى هل كان الشاعر (عاطف خيري) يعلم حينما كتب قصائده الأولى؛ تلك البسيطة ذات النزوع العالي نحو الغنائية، تلك التي تغنَّى بها بالفعل عدد من مطربي (الطمبور)، أنه على موعد مع تغيير ستنهض به قصائده المقبلة في متن الكتابة العامية ذات النزوع الثقافي على النحو الذي طلعت به قصائد كتابه الأول (سيناريو اليابسة)؛ تلك القصائد التي لن يتسنى لمطرب أن يؤديها مطلقاً، فقط سيتسنى لشاعر وفنان عظيم كـ(مصطفى سيد أحمد ) أن يخرج بها إلى الناس عبر صوته المتفرد وأدائه المعجز.
لم يك مِن أحد ليتصور أن هناك صوتاً شعرياً قادماً، يمكن أن يشقَّ له طريقاً بين أسماء عاتية في هذا الفضاء (الملتبس)؛ فضاء القصيدة العامية ذات الأسئلة الثقافية المفتوحة والمنفتحة على أسئلة الفلسفي والأسطوري السياسي والاجتماعي، هذا الفضاء الذي تَسَلْطَنَت فيه أسماء مثل: التيجاني سعيد، محجوب شريف، عمر الطيب الدوش، هاشم صديق، محمد الحسن سالم حميد، محمد طه القدال، أزهري محمد على؛ لكن تمكَّن الشاعر عاطف خيري أن يشق لنفسه؛ لجيله، درباً ملوناً بالمغامرة والجرأة والوثوق، فكانت نقلة جدّ مثيرة ومدهشة على أكثر من مستوى.
عاطف خيري لم يكن يعلم أنه على موعد مع المغامرة مرة أخرى، حين كان يكتب في بعض الأحايين نصوصاً أخرى، بغير تلك اللغة الهجين أو العامية التي درج على كتابة قصائده بها، حين كان يستجيب إلى نداءات الكتابة في المستوى الآخر من اللغة، ولكنه وجد نفسه هناك أيضاً فكان (كتاب الظنون )الذي يُعتبر نقلة أخرى من مستوى معين في الكتابة إلى مستوى آخر، مقارباً فُتُونَ الكتابة في أقصى تجلياتها الشعرية، وقد أربكت هذه النقلة قراء شعره ومحبيه الكثيرين، وربما لا يزال بعض معجبيه مرتبكاً إزاءها.
لكن الشاعر مضى في المغامرة إلى آخر الشوط.. عبر كتابه الأخير (تشجيع القرويات) الصادر في 2006م، سالكاً ذات المتاهات التي لا تفضي إلا الى لذة التجريب في فضاءات الشعر والحياة معاً، الحياة التي لم تعد قدراً هيناً، كما كانت في مدارجها الأولى، والشعر الذي لم يعد طيعاً كما كان في مقتبل الكلمة.
بحنين ربما للحظة التكوين الأولى يعود مجددا الشاعر خيري للمغامرة مع القصيدة العامية، نصوص جديدة، بعضها اختطفه موسيقيون قبل أن يتضمن كتابا بعد، بحنين أيضا لعوالمه نترقب ميلاد سفره الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق