الأحد، 17 أبريل 2011

عمر الطيب الدوش وحكايا

(زمان كنا بنشيل الود
وندي الود
وفي عينينا كان اجمل حنان
زاد وفات الحد)
وحين قال عمر الطيب الدوش - عليه رحمة الله- ما قال، قاله (زمان)، وكنا ندمن ترديد الأغنية وتكرار المقطع قبل أكثر من عقد من الزمان ، أي (زمان) أيضا، وكنا ثلة من شعراء في بدايات طريقهم - ربما لا نزال- صحبة ثلة من المسرحيين والتشكيليين و المتابعين لفعاليات الساحة الثقافية في ذلك الوقت الذي شهد نوعاً من العافية مابعد منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، ومافتئنا نردد (الود) مع راحلنا (الدوش) حتى بلغنا معه من الشعر صدفاً حفيا.
وطفقنا نردد معه:
(إنت يا ليل المغنين
في صباحات اليتامى
والبشيل فوق كتفو يمشي
لم ترخ الخيل لجاما)
والحكايا التي سمعناها عن الدوش، قبل أن نلتقيه، حكايا عن شاعر خبر الحياة وعركته التجارب واختار أن يصغي عميقا لصوت هذا التكوين السوداني وتخلقه في لغة (أمدرمان) - لغة الأغاني وأي أغان تلك التي طفق يكتبها الدوش والتي طفق يحفر لها مجرى نهر خاص وجديد سرعان ماتدفقت فيه مياه الأغنية الجديدة، لم يكن شاعراً بقدر ما كان شاعر (نقلة)، أسألوا محجوب شريف والتجاني سعيد إن أردتم أسألوا هاشم صديق وبقية العقد الفريد، حتى حميد والقدال وعاطف خيري وأزهري محمد علي، عن هذا البناء المعرفي العميق ، وعن هذه الصور الشعرية ذات التركيب المائز، وعن دفقة البساطة التي تلون القصيدة فلا تخرج إلا من عبقريات الموسيقى والغناء في ثوبها القشيب.
والحكايا التي عشنا طرفاً منها مع الدوش، بعد أن كان لقاءً، في منتديات شعرية عديدة، في مسارح (بروفات وعروض) كثيرة، في بيته العامر بالمحبة وفي بيوت أصدقاء عامرة بالوفاء والأريحية، بأنس ما تجود به المطابع وماتجود به المسارح وصالات المعارض التشكيلية وبما يسمح به الحال من (تطارش الحال)، تلك حكايا طبعت على الذاكرة والفؤاد، ومشاويرها رسمت مسارات دقيقة لنمو المعرفة الانسانية بالذات والآخر وتشابكات إنتاج العلاقة فكانت دفعاً متقدماً نحو تبصر عبارته وتنصت تعرجات معانيه وسبر أغوار مايبدع في القصيدة والمسرحية وفي المقال ( حتى في النكتة في السياق الشخصي والاخواني) وكان كنز محبة لا ينفد، ولايزال.
في كل عام في اليوم التاسع من أكتوبر - يوم رحيله - يكون حضوره استثنائيا في القلب والذاكرة وتشع في الروح بعض آلائه، ولا يكون رثاءً ولا كتابة موسمية، يكون في ختام هذه الكلمة الإهداء الذي كتبه في صدر ديوانه (الساقية) الصادر عن منشورات اتحاد الكتاب السودانيين بالتعاون مع دار نسق للطباعة والنشر عام 1988م، كتب هناك:
(الى أخي وصديقي (...)
وأنا أتخيله في قبره ضاحكاً ويقاتل).








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق