الأحد، 17 أبريل 2011

بين عمر خيري وجورج إدوارد

المبدع الراحل عمر خيري

في العام 1988 شهد المجلس القومي للآداب ورعاية الفنون- سابقا، اسبوعا ثقافيا مدهشاً، وكان ذلك بمناسبة افتتاح اول صالة للعرض التشكيلي بالمجلس، وكان من ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي أمسية خاصة بالفنان الراحل مصطفى سيد أحمد- في تلك الجلسة تغنَّى الراحل مصطفى برائعته التي كتبها الشاعر محمد عبدالله شمو (مريم الأخرى) لأول مرة.
لاحقا شهدت الصالة معارض تشكيلية كثيرة من بينها معرض متميز للفنان صلاح إبراهيم، ومن بينها معرض للفنان الكبير الراحل عمر خيري، المعروف في الأوساط التشكيليلة باسم (جورج ادوارد). وعمر خيري صوفي الفن التشكيلي عندنا- ان جازت العبارة- صاحب اسلوب فني متميز لدرجة قصوى، تنفتح أعماله ذات التصميم القوي بـ الأبيض والأسود والخطوط المستقيمة والمعقوفة والدوائر، على عوالم ذات روح سينمائية فذة وشخوص نادرة المرح.
جلس عمر خيري في صباح ذلك اليوم- يوم افتتاح معرضه- يرسم بقلم عادي، بينما كان الجمهور يتجول بين اللوجات، جلس قربه الفنان التشكيلي سيف اللعوتة، وهو يتصفح الدفتر المخصص لتعليقات الزوار وملاحظاتهم وأسئلتهم، قرأ سيف الدين أحد الأسئلة التي كتبها أحدها الزوار بصوت مرتفع: (من أنت: عمر خيري؟ أم جورج إدوارد؟!) وكان الفنان الراحل خيري قد درج على توقيع لوحاته باسم (جورج إدوارد)، لم يلتفت عمر خيري وظل صامتاً، فكرر سيف اللعوتة السؤال. أخيرا أجاب عمر خيري بعبارة واحدة: (جورج إدوارد فنان عظيم) فلم أعرف بالضبط- وقد كنت أجلس معهما- من كان يعني بـ (فنان عظيم) ، عمر خيري؟! أم جورج إدوارد؟!.
وكنت دائم الحضور في تلك الفترة بالمجلس القومي، مشتركا في مكتبته العامة، ومشاركا في انشطته متى ما سنحت الفرصة ودعيت للمشاركة، وتوفرت على صداقات نادرة مع نفر من المبدعين في مختلف المجلات والإداريين العاملين بالمجلس، مما أتاح لي، صحبة بعض الأصدقاء، مساحة شبه يومية للتعرف بالراحل عمر خيري ومشاهدة بعض يومياته بالمكان، وكان الراحل شخصا بازخ الحضور على المستوى الإنساني، في مجمل تفاصيله؛ و ارتباط اسمه باسم (جورج إدوارد) كان وظل ولا يزال مساحة ارتادها الكاتبون عنه، في حواراتهم معه- أثناء حياته، وحوارتهم عنه بعد عبوره ايضا.
لماذا كان بكل هذا التفرد وقد اكتفى غيره ببعضه؟!، لماذا اتسم عمله بهذه الدقة الفنية وهذا النزوع الوجودي لدرجة التلاشي؟!، لماذا رحل بكل هذا الهدوء وانسحب متواريا خلف أعماله بتفرد مُهْمَلٍ؟!.
أسئلة تعتمل، وفي الخاطر مشاهد من أعماله التي كنت احرص على تأملها في معارضه العديدة. أمرُّ هذه الأسئلة تلك التي تتعلق بغيابه عن الساحة فور رحيله المؤلم، وهو الذي كان حاضرا على الدوام- بمعرض سنوي على الأقل- غيابه الماثل لعدم الاهتمام والاكتراث بتجربته الكبيرة، إلا من النزر اليسير مما يعبر عن وفاء بعض أصدقائه وزملائه من التشكيليين الكبار، لكن أين تحليل أعماله الفنية نقديا، أين وأين وأين..إلى آخر متاهات السؤال!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق