الأحد، 17 أبريل 2011

..والسيرة الذاتية

أمتع صنوف الأدب (أدب السيرة الذاتية)، على قلَّة الكتب التي يمكن أن تعثر عليها في مجاله المتسم بالندرة، وعلى الرغم من أن الكُتَّاب بالأساس (الشعراء والسرَّادون) هم الأقدر على معالجة اللغة بإعتبارها أداتهم الإبداعية الأساس، إلا أن السير التي كتبها رسَّامون وموسيقيون وسينمائيون..، لم تخل مما يدفع دفعا لقراءتها مرارا وتكرارا. ومن الكتب التي لا أنساها في هذا السياق كتاب (داكستان بلدي) للشاعر رسول حمزاتوف، على الرغم من كونه مترجما، ظل أثره باق، ومثله الكثير من الأسماء والعناوين.
حين زرت مدينة لندن لأول مرة، تعرفت على شاب أثيوبي اسمه (أيوب) كان يتدرب على المونتاج السينمائي في شركة صديقي حافظ خير، وحين إنتهيت من قراءاتي الشعرية بجامعة لندن تفاجأت بحضوره وسعدت بذلك كثيرا، وانتحى بي جانبا وقال أنه يحب أن يعرفني على صديق له من المغرب، كان قد وجه له دعوة للحضور، وبالفعل تعرفت على صديقه الذي لا أذكر اسمه الآن لكنه كان خجولا وحساسا للغاية عبَّر عن سعادته بحضور القراءات وقال أنها أعجبته ثم قال أنه يحب أن يقدم لي هدية، قدم لي كتاباً وكان قد خط عليه إهداءا خاصا بتوقيعه، شكرته ولم نلتقي بعدها..
قرأت الكتاب، الذي لم يكن من الميسور التوفر عليه، لولا أيادي الصديق المغربي المذكور أعلاه، أكثر من مرة، وهو كتاب نادر المتعة والجمال، اسمه (الرحيل- سيرة ذاتية)، مؤلفه هم العربي باطما، فنان مغربي شاعر شعبي (زجال) وملحن ومغني ومسرحي، مؤسس لجماعة (ناس الغيوان)، خطه (العربي باطما) وهو على فراش الموت بعد أن أخبره الطبيب بحقيقة إصابته بسرطان الرئة، ولم يكن مهتما كثيرا بأن يتبع أسلوبا معجزا في الكتابة، كتبها بلغة بسيطة وفي الحوار كان يستخدم اللهجة الدارجية ويشرح المعنى في بعض الأحيان وفي أحايين أخرى لا يفعل، والسيرة مكتظة بمقاطع الزجل وبكلمات الأغاني، وعلى الرغم من الرجل لم يكن كاتبا ولم يكن قد أعدَّ نفسه سلفاً لهذا الدور، إلا أنه أنجز الكتاب بمستوى من الصدق والبراعة، نادر.
كتب عنه الشاعر البحريني المعروف قاسم حداد إثر رحيله، كما كتب عنه الروائي المصري المعروف يوسف القعيد أيضا، كتب القعيد: (المعلومات المتوافرة عن العربي باطما. تقول إنه قاد ثورة فنية في المغرب سنة 1970. عندما كون مع أصدقائه: بوجميع وعمر السيد. ومولاي عبدالعزيز الطاهري. والعازف علال فرقة: ناس الغيوان. (...) التي تقول الصحف انها قلبت موازين الساحة الغنائية في المغرب. وبدأ عصر المجموعات الغنائية في مواجهة الغناء الفردي. العصر الذهبي لناس الفيوان كان من سنة 1970 الى سنة 1974. وكانت تعتمد على جهد: بوجميع وباطما. وبحثهما المتواصل في أعماق وجذور التراث الشعبي المغربي غير المدون والشفاهي. من خلال حكايات الشيوخ ونبش الذكريات الحية. في محاولة لحماية هذا التراث من النسيان.)
..والسيرة الذاتية، أدب نفتقد فعاليته في ساحتنا الثقافية، كما نفتقد فعاليات كثيرة، نرجو أن تزدهر.

  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق