الصادق الرضي
إهتم
نفر مقدر من المبدعين في مختلف الحقول الإبداعية: شعراء، قصاصون، تشكيليون،
موسيقيون، مسرحيون..إلخ، بمسألة (ثقافة الطفل)، وكرسوا إمكانياتهم الفنية لإثراء
هذه المساحة بما تمثله من عمق استراتيجي، على الرغم من صعوبة وتعقيد إنتاج عمل فني
لهذه الشريحة بالذات، وما يقتضيه من الإنتباه الواعي والضروري، لخيوط دقيقة تربط
بين ما هو تربوي وما هو فني، بين ما هو معقد وما هو بسيط، ونحن نعرف أنه ليس
بمقدور كل مبدع، وإن سطع نجمه في مجاله، أن يبدع للأطفال، فالإبداع في هذا المجال،
يقتضي، بطبيعة الحال، موهبة من نوع خاص بقدر خصوصية المتلقي المُستهدف (بضم
الميم)؛ وبالطبع تقفز إلى الأذهان، حال ذكر (ثقافة الطفل) أسماء وأصوات ووجوه
ساهمت في تربية الذائقة الفنية وتنمية المواهب والمقدرات، في وقت من الأوقات لعدد
من قادة المجتمع ورموزه في مختلف المجالات الحيوية (سياسة، إقتصاد، أدب..إلخ)،
وهكذا تتبادل الأجيال الخبرات والكفاءات وتنمو الأمم والشعوب.
كانت
الخرطوم، في يوم من الايام تقرأ حقاً- ليس وفقاً للمقولة الشائعة المحفوظة لدى
الجميع عن ظهر قلب، فحسب، بل كان الأمر حقيقياً وجدياً، تؤكده المكتبات العامة (المركزية)
التي ساهمت في تنشئة أكثر من جيل، و المكتبات التي كانت تستقبل الكتاب الجديد فور
صدوره بجانب الصحف والمجلات ..إلخ؛ كانت هناك دار النشر التربوي التي تصدر ما يلبي
حاجة النشء إلى المعرفة من مجلات وكتب، وما يعينهم على تعلم واكتساب عادة القراءة،
ووزارة التربية والتعليم كانت تخصص في مناهجها حصصاً للمكتبة والقراءة والإطلاع،
فكيف آل الحال لما هو عليه الآن، وكيف يمكن تدارك الأمر، قبل فوات الأوان، ونحن
نرزح تحت وطأة غياب مصادر المعرفة والتنوير، ولم يعد الكتاب سامرنا، المكتبات لم
تعد بيننا مبنى ومعنى؟!
أطفالنا
اليوم لا يقرأون، في واقع الحال، ليس بسبب العولمة أو الثورة الرقمية التي أفسدت
تقاليدنا الثقافية العريقة التي تحض على تلقي المعرفة من بطون الكتب، وصرفت
إهتمامهم إلى (شاشات) الفضائيات ورسومها الكرتونية، أو إلى (شاشات الـ بلي استيشن)
أو (شاشات) الإسفير، بل بسبب من أننا لم نعد لهم أي شئ، نحو أن يشبوا قارئين
وقارئات، لا مساحة للقراءة والمكتبة في مناهجنا المدرسية، لا إصدارات (كتب، مجلات)
مخصصة لهم، وليس بمقدور المبدعين من بيننا عمل شئ ممنهج لهم، لغياب القنوات
المؤسسية التي تمكن من هذا الإنتاج، أيضاً ليس بمقدورنا أن نسأل أنفسنا- إن كان
هذا هو حال أجيالنا القادمة- السؤال الأكثر مرارة: (لمن نكتب إذن؟!)
إن
كنا نحسب أنفسنا كتاباً للأجيال القادمة، فمن باب أولى أن ننشئ أجيالاً تحفل
بالكتابة والقراءة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق