الخميس، 13 يونيو 2024

اللغة وظلال الأسطورة في رواية (شاهد قبر) للسوداني محمد مسوكر


 

الصّادق الرضي

 قال إبراهيم، حين عبرت أسراب الطيور البيضاء، قادمة من أثيوبيا في رحلتها السنوية إلى مصر: "كنا نظنُّ أنها تخضِّبُ الأيادي، حين كنّا صغاراً، فنتضرّع إليها أن تخضّب أيادينا وأيادي والدينا"؛ علّق بائع الشاي، وهو ينظر لإبراهيم مبتسمأ: "إنها تذكّرني بغابات ساوا في إريتريا، يُروى هناك أنها كانت رسولاً بين رجل منفيّ كان يعزف ألحاناً شجية حفظتها عنه ورددتها معه وفي المساءات كانت تحملها إلى عشيرته وتطوّف بها عليهم حتى صفحوا عنه، وعند أطراف الغابة صاروا يعزفون ألحاناً تحملها إليه الطيور؛ منذها عرف البجا لحناً للندم ولحناً للصفح".  دار هذا الحوار بينما كان إبراهيم يجالس رجلاً بملامح أوربية أو هكذا بدا له حين لمحه، أثناء جولته المسائية اليومية في المدينة، كان إبراهيم طامعاً في الحصول على وظيفة مترجم، وفي ظنه أن الرجل من أحد موظفي المنظمات الدولية الذين ينتشرون في المدينة، ويدفعون بالدولار، في الغالب يفضّلون الأحباش والجنوبيين للعمل معهم، دون أبناء المدينة الآخرين؛ خاب أمل إبراهيم في الوظيفة أو حتى فكرة أن يطوّر لغته الإنكليزية، حين اكتشف أن من يجالسه ليس موظفاً أوربياً يعمل في المنظمات الدولية إنما تركي باحثٌ في التراث، يتحدث العربية، يعدُّ دراسةً عن المدن التي أنشأها الأتراك؛ تلك الخيبة لم تمنعه من مواصلة الحديث مع الرجل، ولو على سبيل الفضول، يقول له التركي، رداً على سؤاله عن علاقة (القضارف) بالأتراك: "الحكم التركي أو العثماني- سمّه ما شئت- جاء عن طريق البحر الأحمر وضم التاكا وسواكن ومصوع وإقليم بقوس. لم تك مدينتك قد وجدت بعد؛ وباعتبارها في ديار البجا كانت تابعة لمديرية كسلا"؛ يستمر بينهما الحوار، حتى يغادر إبراهيم المكان، بعد أن أمضى يوماً مميزاً في مدينة لم تمنحه غير مزيد من الأسئلة والحيرة، ضغطت الصدفة على عقله وفؤاده: تاريخٌ وطيور لا تعرف الكلل، جبالٌ راسياتٍ في جوفه يئنُ من وطأتها، يغمد الأسئلة بين عظامه ويسابق المطر.

 

فضاء سوداني إريتري:

رواية (شاهد قبر) للسوداني محمد مسوكر، تنفتح على نوافذ لحكايات مجتمع داخلي، عبر أسرة إبراهيم التي تتكون من والده إسماعيل وأمه أرهيت وأخويه التوأم، وعمه سليمان، وتشابكات علاقاتها في المجتمع الكبير لمدينة القضارف- جنوب شرق السودان- المدينة التي تشكل الفضاء السوداني- الإريتري غير بعيدة عن مدينة كسلا، حكايات المدينة بشوارعها الرئيسية والفرعية، بطبقاتها ومجموعاتها السكانية المتنوعة، حكايات جيل اسماعيل وأرهيت وسليمان وإيرات والأمين ود بال عاي، وجيل الأبناء إبراهيم، وسميرة، أحمد وسليم.. إلخ، وصراعهم الاجتماعي الثقافي والسياسي مع جماعة (حمد حفُون) الذين يمثلون السلطة- الحكومة بتحالفاتهم معها. عبر صوت الرواي وتداخله مع منلوجات شخوص الرواية، نتعرف على علاقة حب إبراهيم وسميرة وتعقيداتها، علاقة إبراهيم بعمه سليمان وعلاقة حب سليمان القديمة لـ إيرات، ونشهد الحوار المعرفي بين ثلاثتهم؛ نتعرف على هواجس أحمد وسليم الفكرية والسياسية ورؤيتهم للثورة الإريترية، واختياراتهم الخاصة التي أدّت لمصائرهم فيما بعد. حكايا مطرزة بطقوس خاصة في الزواج وتفاصيله، في الرقص وتقليد شرب البُن...إلخ، وتحتشد بحوارات حول السوق والسياسة والقضايا العامة. تجري أحداث الرواية في المدة الأخيرة من حكم الديكتاتور جعفر نميري- استمر (16) سنة وأسقطته انتفاضة أبريل/ نيسان الشعبية سنة 1985م، وتمتد لبعض سنوات الديمقراطية الثالثة قبل إنقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو/ حزيران سنة 1989م.

 

لسانٌ يتحرَّكُ مع الغبار:

هناك أحجيات صغيرة، لها في العمق ظلال أسطورية تعبّرُ عن الذات الجمعي في توقه للقبض على هويته، صورته الشخصية، في خضم صراع عاصف له جذوره التاريخية والحضارية، نلمس هذه النزعة في منلوج شخصية (ود بال عاي) مثلاً وهو يعرّف بنفسه: "اسمي موروث من جدٍّ بعيد، من زمن الغبار، زمن الغبار كان قبل أن تنشق البحار، كانت الدنيا يابسة، الإعصار يبدأ من الهند ويصل شرق إفريقيا دون عناء، بعض لسان أهلنا التقري كان في الصحراء يتحرك مع الغبار بقى هناك حين ظهر البحر الأحمر وأصبح لسانا عربياً، الآشوريون قالوا أننا أبنا عمومتهم من أولاد نوح". نلمس تلك النزعة أيضا في قصة فتاة الجبل مع سميرة، الفتاة تشاهد جبل توتيل يأتي ليلا من مدينة كسلا إلى مدينة القضارف، يقف موازيا لجبل الخزَّان ويتحدث معها، يغادرها قبل بزوغ الفجر ويتكرر معها هذا الأمر لفترة ليست بالقصيرة؛ ولجبل توتيل هنا دلالته الخاصة، انه يكلّم الفتاة ويحمّلها رسالة: "استيقظتُ على تهدُّج صوت جبل توتيل وهو يقف موازيا لتلِّ الخزَّان، يعاتبني ويلحُّ علىَّ أن أسمعه"، لكن الرسولة تجذع: " رجوته كثيراً أن يبحث عن غيري، أنا ضعيفة لا أقوى على تكليفه"، سميرة حين تسأل الفتاة عن اسمها، تقول لها: " أنا شفتك مع الجبل" وتبقى الفتاة بلا اسم حتى نهاية الرواية.

 

لغة الطير:

اللغة، ليست اللغة التي كُتِبَ بها النص أو لغة الحوار داخله، إنما اللغة نفسها في بعدها المفاهيمي الذي شكلت به حضورها في النص بوصفها عنصرا من عناصر الصراع داخله، بل ربما هي من أبرز أسلحة هذا الصراع، في بعديه الداخلي والخارجي، يتمثل البعد الداخلي  في صراع الأجيال داخل المجموعة ذاتها؛ الجيل الذي يتقن اللغة- الأم ويتمسّك بها تأكيداً للهوية ورمزاً للأصالة، والأجيال الجديدة التي لا تعرف عنها إلا طيوفاُ بعيدة، وبعض أكليشهات:

-         " ابنك إبراهيم فارس وأصيل لكن لماذا لا يتحدث لغتنا؟!".

-           "- إنه ابن مدارس لا يعلم شيئا".

البعد الخارجي يتمثّل في صراع المجموعة مع المجموعة السكانية- الثقافية الأخرى، تمثلها في هذا النص (جماعة حمد حفُون) التي لا تملك لغةً خاصة بها، ومع ذلك تطلق على لغة الآخر الخاصة وصف (رطانة)- "الرطانة هي الهزر غير المفهوم ويقال إنها لغة الطير، (حمد حفون) بلسان التقري معناها الانفعالى أو العاطفي وحمد اسم شائع وسط المهاجرين من النيل لبلاد البجا."؛ هذه الرواية تضج بأسماء الأماكن في بلاد البجا (السودإرتيرية) في اللغة- الأم هنا وهناك وتبرزها- مسألة اللغة- الأم، من ضمن ما تبر من مسائل وقضايا وهي رواية لا تكف شخوصها عن طرح الأسئلة والجدل على كافة المستويات المعرفية رغم بساطة تكوين بعض هذه الشخوص وعادية المواقف والأحداث التي خلقتها في نسيج القصة.

 


 

الخميس، 20 فبراير 2014

إرثٌ من الشّعراء والشّهداء: تذكارية عن الشاعر الإرتري- السوداني "عبدالحكيم محمود الشيخ"



الصّادق الرضي

1
في فورة الشباب..، بعد منتصف الليل، نقطع الطريق راجلين من دار إتحاد الكتاب السودانيين، بالمقرن الخرطوم غرب، متجهين نحو أمدرمان، أنا وصديقي الشاهق حكيم، لم يك ثمة أمل في أن يصل أحدنا أو كلينا إلى أي بيت، ولم يك أمامنا سوى أن نصل داخلية طلاب المعهد العالي للموسقي والمسرح بـ بانت- أمدرمان.
طيلة المسافة من مقر الإتحاد.. حتى الجسر الوحيد الذي يربط بين الخرطوم وأمدرمان- وقتها، لم نتوقف ولا لحظة عن المسير، يقرأ حكيم بصوته الجميل منفعلا: "كاظماُ يا صديقي" مطلع آخر قصيدة طالعناها معاً للشاعر كاظم جهاد وكان صديقي حكيم يحبه، وأقرأ له: "أقيم عرساُ قلت للذي أحبني، وأوحى لي: أن بالشارع الآخر مذبحة!" من أعمال عيسى مخلوف وكنا فرغنا، تواً، من التعرف على صوته الشعري في ديوانه " تماثيل لوضح النَّهار".

2
بدأتُ كتابة الشهادة أعلاه عن الشاعر عبدالحكيم محمود الشيخ المشهور بين أصحابه تحبّباً بــ حكيم، قبل عدة أشهر، على صفحة أنشأتها الكاتبة مها الرشيد على موقع التواصل الإجتماعي الشهير (Face book)، بمناسبة العيد الوطني لإرتريا، تدافعت الشهادات حول حكيم من أهل الشعر والقصة القصيرة والرواية والإعلام- من الجنسين- إرتريين وسودانيين، مما شجعني على الإستطراد.

3
بيني وبين حكيم أنس لا ينتهي وحكايات لا يجهضها انخسار الليل عن فجر لم يروادنا فيه النوم مطلقا وتلك شجون ومناقشات حول ما هو الأدب ، ما هو الفن، ماهي الآيدلوجيا، ماهي الديمقراطية، وكيف نخلص للفن، وكيف نخلص للإنسان، ونحن نكتب ونقرأ ونجوع يوميا في شوارع المدينة، دون أن يكون لأحدنا مقعد في جامعة أو معهد، أو وظيفة ومصدر دخل في مكان ما، بل ونمضي ليلاتنا بعيدا عن البيوت، في داخليات معهد الموسيقى والمسرح أو داخليات كلية الفنون الجميلة أو في بيوت ما تيسر من أصدقاء.
فجأة وبدون سابق إنذار، كان يغيب عني حكيم لعدة أشهر حسوما، وحين أسأل أصدقائي الإرتريين عنه يقولون لي إنه في كسلا وسيعود، وبالفعل يعود حكيم بطوله الباسق الوسيم، وبصحبته حكايات وقصائد جديدة، وحين أسأله عن كسلا، يضحك بعمق، ويقول لي هامسا: أنا كنت في "الجبهة".
بقدر ما كان حكيم ثائرا ومتحمساً، بقدر ما كان زاهدا أقرب لكونه صوفي في زيِّ حديث، وبقدر ما كان يدعوني للجرأة والإقتحام في كل شيء بقدر ما كان يحتفظ في داخله بمساحة شك ما، دائمة؛ بقدر جنونه واندفاعه وحبه للحياة والأفكار والرؤى الجديدة، كانت له "حكمته" الخاصة التي كنت استقيها منه في مواقف عديدة: شعراء كثر من الأجيال التي سبقت ظلمت تجاربهم الإبداعية وقتها، وقد فعل فيهم من كانوا يعرفوا بيننا بـ "حملة الأختام" الأفاعيل، وتلك كانت من ظواهر تدافع الأجيال، وكان وقت حضورنا للساحة آنذاك، هو الوقت الآيدلوجي بامتياز، وقت الإستقطابات الحادة، أعقاب إنتفاضة مارس أبريل، وخروج الأحزاب بمختلف مسمياتها وآيدلوجياتها المختلفة، من جب "ديكتاتورية مايو- نظام حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري مايو 1969- أبريل 1985م" إلى فضاء لم يتسع بعد- للأسف- ليتسم بما وصف به .. "ديمقراطية".

4
يحتدم بيننا النقاش إثر خروجنا من منتدى أدبي ما، عن مستوى هذا الشاعر أو ذاك الشاعر، وهل هناك تطور في تجربته أم هناك ثبات على نفس المستوى أو تراجع، وكنت أجد في آراء حكيم الكثير من بعد النظر وعمقه في التحليل.. وتتبع التجربة والأثر.. نقاشي معه عصمني وكثيرا من الإنزلاق نحو الأحكام الجاهزة والقوالب الرائجة، لكن أرقي الدائم- محل نقاشنا المحتدم، معتركنا الوحيد، كان "شاعرية" حكيم نفسه، تجربته الإبداعية، تأخير نفسه في المنابر وتقديم الآخرين، اندفاعه الدائم لنشر أعمال الآخرين ولو عبر حفظه لنصوصهم والتبشير بها في المنتديات والمجالس الخاصة والمشاوير، احجامه الكامل عن تقديم أعماله أو طرحها أو الترويج لها بأي صورة من الصور.
أتذكَّر بوضوح جلي، نبرات صوته حين ينهزم، بعد إلحاح مني، يستمر ليالٍ كاملة، أتذكَّر نبراتٍ تتسمُ بأبعاد طفولية، حين يشرع قارئاً أحد نصوصه الجديدة،  ذلك-لم يك ممكنا إلا بعد اشتراطات وتحوِّطات عديدة، مثل أن نكون وحدنا تماماً، بعيدين عن الآخرين، أن لا أردِّد حرفاً مما أسمعُ- يعرف توقّد ذاكرتي وقوتها جيدا- حجته الدائمة في ذلك ان القصيدة جديدة وهو لم يفرغ بعد من كتابتها.

5
أتفهم حساسيته  المفرطة نحو أن يطرح نفسه شاعرا في تلك الأزمنة والأمكنة، لما ذكرت آنفا، أيضا أتفهم- والأمر هنا شديد التعقيد والخصوصية- أن صوت شقيقه الأكبر محمد محمود الشيخ الشعري كان طاغيا على الساحة بما لايدع مجالا للشك، صوت محمد كان ملهما، نجما ساطعا في الساحة الأدبية، نتقفى خطاه ونتعلم منه الكثير؛ كنت دائم العراك مع حكيم في هذا الأمر، حساسيته المفرطة نحو أن يقدم نفسه شاعرا في ذات الساحة التي كان فيها اسم محمد مدني هو المسيطر، محمد مدني لم يك يتركنا بعيدا عن دفء صداقته، مع فارق العمر، كان حفيّاً بينا، لكن شيء ما، في نفس حكيم، كنت أحسه دائما، يدفعه لطيِّ أوراقه الشعرية بعيداً عن المنابر و أعين الآخرين.

6
هل هو إرث من الشعراء والشهداء؟! عبد الحكيم أحدأبناء محمود الشيخ، شعراء وثوار يشار لهم بالبنان في إرتريا والسودان: (محمد المعروف بـ "محمد مدني"، وعمّار، سبق عمّار شقيقه الأصغر حكيم بالشهادة- حادثة اغتيال سجلت ضد مجهول، وتبعه حكيم بعد عدة سنوات)، يدهشك أن عمّار رحل عنَّا وهو يتأهب للزواج كما حدث مع حكيم، وأن عمار رحل وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، وهي ذات السن التي رحل عنَّا فيها حكيم (عمَّار (1961-1992م)/ عبدالحكيم (1965-1998م).
يقول لي القاص والناشط السياسي خالد محمد طه، وهو رفيق طفولة ودرب الشاعر حكيم: "الخلفية السياسية  لعمَّار هي ذات الخلفية السياسية لحكيم؛ تجمعات المبدعين الديمقراطيين من كُتاب وتشكيليين وموسيقيين وممثلين وصحفيين، عضوية الجيش الشعبي لتحرير ارتريا، عمَّار عمل في إذاعة (صوت الجماهير الإرترية) من موقعها في الميدان بقمة جبل (هقر) موطن إحدى ممالك البجا الكوشية القديمة، على سلسلة جبال البحر الأحمر، ما يعرف بمنطقة شمال الساحل، عمل مذيعاً ومُعدِّاً للبرامج، بجانب التغطية المباشرة للعمليات الحربية- عمله بالإذاعة  شكّل نقلة نوعية وقتها في الموضوعات وطريقة التناول ذات الطابع المهني، أسهم في تدريب كوادر إذاعية، تقود العمل االإذاعي في إرتريا حالياً- عبر الإذاعة الحكومية أو تلك التي تتبنى آراء معارضة، كانت له اهتمامات بالشأن الثقافي عموماً وإسهامات فكرية".

7
"حكيم عمل بين سنة 1985 إلى 1989م"- لا يزال الحديث لـ خالد طه- "بمكتب الإعلام الخارجي بالخرطوم معدّا لنشرة (رسالة إرتريا)، مع مهام نضالية أخرى ذات طابع دبلوماسي، بجانب اسهامه أدبياً وفنيّاً، عمل بـ (المكتب المركزي للإتحاد الوطني للشبيبة والطلّاب)، تمَّ توجيهه للعمل في الميدان ضمن وحدة القوات الخاصة (كماندوز)، خاض معارك السنوات الأخيرة في جبهة (عصب)، بين الساحل والصحراء، عمل بمكتب الشئون الثقافية ووزارة الإعلام صحافياً- مديراً لـملحق الآداب والفنون بصحيفة ـ(إرتريا الحديثة) ومعدِّاً للبرامج ومذيعاً ومشرفاً على القسم الفنِّي والثقافي بـ (إذاعة صوت الجماهير الإرترية)، أسهم في كل الفعاليات الثقافية والأدبية منذ التحاقه بالثورة حتى عشية وفاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لندن، فبراير 2014م

الأحد، 8 ديسمبر 2013

زهاء الطاهر في ذكرى رحيله


الصادق الرضي
في مارس 2004م محمود صالح راعي مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي بأمدرمان بادر بدعوة وفد من الحركة الثقافية اللبنانية، في تلك الأيام كانت التحضيرات تجري بشكل أو بآخر من قبل المؤسسة الثقافية الرسمية نحو مشروع الخرطوم عاصمة للثقافية العربية 2005م، ولسبب أو لآخر، نسق مركز علدالكريم ميرغني الثقافي فعاليات وفد الحركة الثقافية بالتعاون معا فعاليات التحضير لمشروع العاصمة الثقافية، لفت نظري اسم الشاعر اللبناني الكبير إلياس لحَّود مدرجا بالبرنامج، سعيت إليه وأجريت معه مقابلة صحافية لصالح صحيفة الأضواء التي كنت أدير قسمها الثقافي آنذاك، وبينما كنت أهرع مساء 25 مارس نحو مسرح (البقعة- سابقا) مركز شباب أمدرمان، لأكون حضورا عند قراءاته الشعرية، هاتفني أحد الأصدقاء، ناعيا لي الكاتب المبدع زهاء الطاهر.
عرفت اسمه- أول ما عرفته- من خلال صفحات الملف الثقافي لصحيفة (الهدف- متوقفة الصدور) الذي كان يديره الناقد والصحافي محذوب عيدروس في منتصف ثمانينات القرن المصرم، كانت صفحات الملف تضج بالأسماء المعروفة والجديدة، ولما كان عيدروس حفيا بتجاربنا الشعرية الباكرة، كنا نتابع الملف بشغف، من ضمن كوكبة من الكتاب، كنت أقرأ لزهاء، دون أن ألتقيه، ثم تناهى إليَّ خبر اغترابه إلى الخليج- تحديدا الدوحة، من هناك صدر كتابه القصصي الأول (ليلى والجياد) وكتابه الثاني.
حين عاد من مغتربه، منتصف تسعينيات القرن المصرم كانت تحولات عديدة ألمت بالمشهد الثقافي، موجات الهجرة المتتالية جرفت أجيالا وأجيال جديدة قدمت إلى ساحة جرداء من المنابر، حينها كنت أدير قسما للثقافة والفنون بصحيفة رياضية يومية، هي صحيفة (الغد- متوقفة الصدور) صحبة القاص والصحافي عثمان شنقر، لسبب أو لآخر، لم أحظ بمعرفة زهاء الطاهر على المستوى الشخصي، كنت أعرف أخبار أنشطته من خلال زميلي عثمان شنقر، وبينه وبين شنقر توطدت أواصر من الصداقة شخصية.
أكثر من ذلك كنت أعرف أنه انخرط في خضم حركة الهامش الثقافية أولئك الشباب الذين يتوزعون بين (مفروش الكتاب) و (كافتريا أتنيه) نهارا، ويجتمعون مساءا- ما لم يك هناك نشاط ثقافي جاذب- بكافتيريا أبو جنزير، كان ذلك قبل أن يتمكن هؤلاء الشباب من نشر أعمالهم بالصحف ومن تأسيس نادي القصة القصيرة باليونسكو.
تزامنت عودته تلك مع عود صحيفة الخرطوم القاهرية للصدور مجددا من الخرطوم، وفي مرحلة صدورها الاولى هنا، كان زهاء الطاهر مشرفا على صفحاتها الثقافية لفترة ليست قصيرة.
لمحته أكثر من مرة قرب مفروش لكن لم تتهيأ سانحة جيدة لنتعرف بصورة شخصية، صادفته مرة أخرى قرب دار عزة للطباعة والنشر ومرة أخيرة في لقاء قصير جمعني به ببيت عثمان شنقر بأمبدة.

مخطوطات نصوصه القصصية التي أحضرها شنقر إلى صحيفة الغد ونشرناها في ذلك الوقت، لفتت نظري إلى جمال خطه، وأعرف من بعض أصدقائه المقربين بأنه صاحب صوت متمكن من الغناء، يعرف ذلك جيدا من عاصروا أيامه بمدينة الأبيض ومنهم على سبيل المثال الكاتبة الصحافية القاصة سلمى الشيخ سلامة، عرف زهاء الطاهر مبدعا في سياق (القصة القصيرة) لكن واقع النصوص التي قرأتها له متفرقات بالصحف والمجلات أو مجتمعات في كتبه، عبارة عن نسيج محكم من الشعر والنثر، أرجو أن يلتفت النقد الجاد لدرس مشروع إبداعي متفرد يضيء مجمل إنتاج الرجل.

لمن نكتب؟!

الصادق الرضي
إهتم نفر مقدر من المبدعين في مختلف الحقول الإبداعية: شعراء، قصاصون، تشكيليون، موسيقيون، مسرحيون..إلخ، بمسألة (ثقافة الطفل)، وكرسوا إمكانياتهم الفنية لإثراء هذه المساحة بما تمثله من عمق استراتيجي، على الرغم من صعوبة وتعقيد إنتاج عمل فني لهذه الشريحة بالذات، وما يقتضيه من الإنتباه الواعي والضروري، لخيوط دقيقة تربط بين ما هو تربوي وما هو فني، بين ما هو معقد وما هو بسيط، ونحن نعرف أنه ليس بمقدور كل مبدع، وإن سطع نجمه في مجاله، أن يبدع للأطفال، فالإبداع في هذا المجال، يقتضي، بطبيعة الحال، موهبة من نوع خاص بقدر خصوصية المتلقي المُستهدف (بضم الميم)؛ وبالطبع تقفز إلى الأذهان، حال ذكر (ثقافة الطفل) أسماء وأصوات ووجوه ساهمت في تربية الذائقة الفنية وتنمية المواهب والمقدرات، في وقت من الأوقات لعدد من قادة المجتمع ورموزه في مختلف المجالات الحيوية (سياسة، إقتصاد، أدب..إلخ)، وهكذا تتبادل الأجيال الخبرات والكفاءات وتنمو الأمم والشعوب.
كانت الخرطوم، في يوم من الايام تقرأ حقاً- ليس وفقاً للمقولة الشائعة المحفوظة لدى الجميع عن ظهر قلب، فحسب، بل كان الأمر حقيقياً وجدياً، تؤكده المكتبات العامة (المركزية) التي ساهمت في تنشئة أكثر من جيل، و المكتبات التي كانت تستقبل الكتاب الجديد فور صدوره بجانب الصحف والمجلات ..إلخ؛ كانت هناك دار النشر التربوي التي تصدر ما يلبي حاجة النشء إلى المعرفة من مجلات وكتب، وما يعينهم على تعلم واكتساب عادة القراءة، ووزارة التربية والتعليم كانت تخصص في مناهجها حصصاً للمكتبة والقراءة والإطلاع، فكيف آل الحال لما هو عليه الآن، وكيف يمكن تدارك الأمر، قبل فوات الأوان، ونحن نرزح تحت وطأة غياب مصادر المعرفة والتنوير، ولم يعد الكتاب سامرنا، المكتبات لم تعد بيننا مبنى ومعنى؟!
أطفالنا اليوم لا يقرأون، في واقع الحال، ليس بسبب العولمة أو الثورة الرقمية التي أفسدت تقاليدنا الثقافية العريقة التي تحض على تلقي المعرفة من بطون الكتب، وصرفت إهتمامهم إلى (شاشات) الفضائيات ورسومها الكرتونية، أو إلى (شاشات الـ بلي استيشن) أو (شاشات) الإسفير، بل بسبب من أننا لم نعد لهم أي شئ، نحو أن يشبوا قارئين وقارئات، لا مساحة للقراءة والمكتبة في مناهجنا المدرسية، لا إصدارات (كتب، مجلات) مخصصة لهم، وليس بمقدور المبدعين من بيننا عمل شئ ممنهج لهم، لغياب القنوات المؤسسية التي تمكن من هذا الإنتاج، أيضاً ليس بمقدورنا أن نسأل أنفسنا- إن كان هذا هو حال أجيالنا القادمة- السؤال الأكثر مرارة: (لمن نكتب إذن؟!)

إن كنا نحسب أنفسنا كتاباً للأجيال القادمة، فمن باب أولى أن ننشئ أجيالاً تحفل بالكتابة والقراءة.

السبت، 7 ديسمبر 2013

ميلاد جديد

الصادق الرضي

(في الحضيضِ مَمَالِكُ
أُبّهةٌ شاخصةٌ منذُ شَظَايا
رسائلُ تُفَضُّ بالحِرَاب
عصافيرُ مصفَّدةٌ
لسُوءِ حُسْنِ الطُّيور
أجنحةٌ عَذْبةٌ في الحَضِيض
أَقْعَدَتْهَا القَوارِيرُ لا العِطْر
أَقْعَدَتْها مَقَادِيرُ كالعِطْر
كُلُّهم في عَجَلةٍ من حُزْنِهِم
اسْتَطْرَدُوا في ظلامٍ وخَمِيرَة).
تُرى هل كان الشاعر (عاطف خيري) يعلم حينما كتب قصائده الأولى؛ تلك البسيطة ذات النزوع العالي نحو الغنائية، تلك التي تغنَّى بها بالفعل عدد من مطربي (الطمبور)، أنه على موعد مع تغيير ستنهض به قصائده المقبلة في متن الكتابة العامية ذات النزوع الثقافي على النحو الذي طلعت به قصائد كتابه الأول (سيناريو اليابسة)؛ تلك القصائد التي لن يتسنى لمطرب أن يؤديها مطلقاً، فقط سيتسنى لشاعر وفنان عظيم كـ(مصطفى سيد أحمد ) أن يخرج بها إلى الناس عبر صوته المتفرد وأدائه المعجز.
لم يك مِن أحد ليتصور أن هناك صوتاً شعرياً قادماً، يمكن أن يشقَّ له طريقاً بين أسماء عاتية في هذا الفضاء (الملتبس)؛ فضاء القصيدة العامية ذات الأسئلة الثقافية المفتوحة والمنفتحة على أسئلة الفلسفي والأسطوري السياسي والاجتماعي، هذا الفضاء الذي تَسَلْطَنَت فيه أسماء مثل: التيجاني سعيد، محجوب شريف، عمر الطيب الدوش، هاشم صديق، محمد الحسن سالم حميد، محمد طه القدال، أزهري محمد على؛ لكن تمكَّن الشاعر عاطف خيري أن يشق لنفسه؛ لجيله، درباً ملوناً بالمغامرة والجرأة والوثوق، فكانت نقلة جدّ مثيرة ومدهشة على أكثر من مستوى.
عاطف خيري لم يكن يعلم أنه على موعد مع المغامرة مرة أخرى، حين كان يكتب في بعض الأحايين نصوصاً أخرى، بغير تلك اللغة الهجين أو العامية التي درج على كتابة قصائده بها، حين كان يستجيب إلى نداءات الكتابة في المستوى الآخر من اللغة، ولكنه وجد نفسه هناك أيضاً فكان (كتاب الظنون )الذي يُعتبر نقلة أخرى من مستوى معين في الكتابة إلى مستوى آخر، مقارباً فُتُونَ الكتابة في أقصى تجلياتها الشعرية، وقد أربكت هذه النقلة قراء شعره ومحبيه الكثيرين، وربما لا يزال بعض معجبيه مرتبكاً إزاءها.
لكن الشاعر مضى في المغامرة إلى آخر الشوط.. عبر كتابه الأخير (تشجيع القرويات) الصادر في 2006م، سالكاً ذات المتاهات التي لا تفضي إلا الى لذة التجريب في فضاءات الشعر والحياة معاً، الحياة التي لم تعد قدراً هيناً، كما كانت في مدارجها الأولى، والشعر الذي لم يعد طيعاً كما كان في مقتبل الكلمة.
بحنين ربما للحظة التكوين الأولى يعود مجددا الشاعر خيري للمغامرة مع القصيدة العامية، نصوص جديدة، بعضها اختطفه موسيقيون قبل أن يتضمن كتابا بعد، بحنين أيضا لعوالمه نترقب ميلاد سفره الجديد

الاثنين، 18 أبريل 2011

الشاعر منبريا

حديقة إتحاد الكتاب السودانيين في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم، اكتظت بجمهور الشعر، على شرف زيارة الشاعر العراقي المعروف مظفر النوَّاب للخرطوم بدعوة من إتحاد الكتاب السودانيين، مظفر النواب صاحب وتريات ليلية كان معروفا لجمهور الشعر من خلال أشرطة الكاسيت التي تناقلتها الأيدي طويلا وحفظها بعضهم عن ظهر قلب؛ في تلك الأمسية التي لا تنسى، تقطَّر مظفر النواب أداءا شعريا حلَّق بالحاضرين في سموات من المتعة نادرة، ومظفر من الشعراء الذين لا يقل مستوى أدائهم الشعري على المنابر عن مستوى أدائهم على الورق، تميز كذلك الشاعر محمد الفيتوري والراحل محي الدين فارس، كما تميز محمود درويش وقبله نزار قباني- على مستوى الكتابة الفصحى؛ وعلى مستوى الـ (العاميات) اشتهر عندنا محمد الحسن سالم حميد ومحمد طه القدال، ومن قبل اشتهر عندنا الراحل اسماعيل حسن، كلا بأسلوب متفرد ينسجم مع طبيعة شعره، كذلك اشتهر عبدالرحمن الأبنودي ..إلخ؛ وتلك مسألة- مسألة الأداء المنبري للشعر- لم يقتصر النقاش والجدل حولها على ساحات الشعر المكتوب باللغة العربية، بمختلف مستوياتها، وحدها، إنما عرفته كل ساحات الشعر المكتوب في لغات أوربا وغيرها من لغات العالم.
بينما يرى بعض نقاد الشعر أن متغيرات العصر تقدِّم أداء الشاعر كتابة وتمنحه الأولوية في النظر والتقدير، على حساب النظر إلى مقدراته في الأداء المنبري، يرى بعض آخر منهم- النقاد، أن أداء الشاعر على المنبر يضيف للنص المجوَّد كتابة، إن تمكَّن من تجويد فنيات الأداء أمام الجمهور، ذلك أن من يتحفظون على اختبار الشاعر منبريا إنما يتحفظون على طبقة من الشعراء جوَّدت فنيات الأداء منبريا دون أن تحقق إنجازا حقيقا بوصفه إبداعا على الورق، يحتجون بأن المنبريون- من خلال إكليشيهات شعرية جاهزة- يقدمون للجمهور فقاعات زائفة تستجدي تصفيق الجمهور بلا اصالة، وذلك صحيح، في وجه من الوجوه، لكن هل يستحق الأداء الحي للشاعر أمام الجمهور مباشرة كل سوء الصيت هذا الذي مني به مؤخرا - على وجه الخصوص بين أجيال الكتابة الشعرية الجديدة؟!
الواقع أن مستويات جودة الأعمال المطروحة شعريا تتفاوت، على مرِّ الحقب والأجيال- على مختلف اللغات والثقافات، بتفاوت مستوى المقدرات الذاتية والتحصيل للمبدعين، بداهة؛ ويظل للأداء الحي أمام الجمهور بوصفه أحد أدوات المبدع للتواصل مع جمهوره أو شريحة من الجمهور جماليا ومعرفيا، خصوصيته وسحره، ونفاذه لمن يتملك أدواته ويصقلها، وليس يغنيه ذلك عن تجويد الكتابة بفنياتها وأشراط جودتها التي بغيرها لا يكون من إبداع ولا يحزنون.
أيضا يبقى الباب مفتوحا للنقاش والجدل حول القضية، وتدويرها من مختلف المداخل، في ذلك ما يضيف ويثري، خاصة إذا بادر الشعراء بكتابة شهادات وإفادات حولها من واقع تجاربهم منبريا- إقبالا وإحجاما، على يقين بأننا سنحصل على مادة نادرة، إضافة إلى دخول أصوات جديدة لساحة النقاش والجدل بدل أن يترك الأمر برمته لسادتنا النقاد.



أين (الكتابة) في مؤتمر (الكُتَّاب)؟!

بعرض مرتبك لفيلم عن التنوع الثقافي في السودان وتدشين أقل من متواضع لـ موقع إلكتروني، وحفل للفنان د.عبدالقادر سالم وفرقة الفنون الشعبية، وبإقبال ضعيف من الكُتَّاب (عضوية الإتحاد أو خارج عضويته، بل وبعض عضوية اللجنة التنفيذية)، ومن الجمهور، أختتم مساء الثلاثاء 28 ديسمبر الماضي المؤتمر العام الرابع لإتحاد الكتاب السودانيين.
والإشارة إلى ضعف الإقبال السمة التي لازمت أعمال المؤتمر الثالث للإتحاد في العام الماضي أيضا، حدت بنا وقتها لكتابة كلمة كانت بعنوان (إين الكتَّاب في مؤتمر إتحاد الكتاب؟!) لكن اللافت بالإضافة إلى ضعف الإقبال هذا العام هو خلو أجندة أعمال المؤتمر وفعالياته المصاحبة من اي شأن إبداعي (شعر، قصة، رواية، نقد ..إلخ) واقتصار الفعاليات المصاحبة على ما ورد في التغطية التي تطالعها بداخل الملف.
وعمر الإتحاد في (ميلاده) الثاني (4) سنوات انعقدت خلالها (4) مؤتمرات، وصدر عن الإتحاد خلالها عددان من مجلة (كرامة)، ..إلى آخر الأنشطة المعلن عنها من إنجازاته، لكن لا تزال الهوة كبيرة بين الإتحاد وأنشطته وبين الكتاب من عضوية الإتحاد أو من خارج العضوية، وهو أمر لافت للنظر ومثير للسؤال، لماذا لم يتمكن الإتحاد من جذب الكتاب إلى فعالياته واستقطاب إمكاناتهم ومقدراتهم لصالح إتحادهم، ولماذا هذا الضمور المطرد عاما بعد عام؟!
تعتبر فعالية المؤتمر العام من أهم فعاليات الإتحاد التي درج على تقديمها سنويا، وعلى هذا الاساس يتم تقييم أداء الإتحاد على مدار عام كامل، وإذا كان هذا المؤتمر (الضعيف في رأينا) يعبر عن خلاصة مقدراته وإمكاناته، بالإضافة إلى الخبرات التي يفترض أن تكون قد تراكمت من خلال السنوات الماضية فإن الأمر يحتاج إلى مراجعة، نرجو من الإتحاد أن يلتفت إليها بما يمثله من قيمة واعتبار في الساحة الثقافية.
ليس هناك ما يدعونا لاستنكار حضور القضايا السياسية، على وجه الخصوص الساخنة، وهي قضايا بالاساس ذات جذور ثقافية اصيلة، ونرى أن إسهام الكتاب والمثقفين في ذات القضايا ليس مطلوبا وحسب وإنما واجب يمليه الضمير، لكن ما نستنكره هو غياب قضايا الكتابة والكتاب في وقت ضعفت فيه الساحة الثقافية بما هو ماثل للعيان، وإن لم تحضر هموم الكتابة والكتَّاب في مؤتمر (إتحاد الكتاب) فأين يمكنها الحضور؟!